ليست النهاية…
لحظات مرّت تشبه النّهاية… وكأنّما أطبقت السّماء راحتيها فحجبت وجه الحياة… كالسنين العاصفة هي، أوقات الوحشة والوحدة والألم.. إذ أنطوي عليّ ملتحفة أساي، متدثّرة خيبتي، قيد الإنتظار كما أكون دائما، إنتظار غيم ينقشع، وفجر يبتسم، وغد يبسط ذراعيه..
لكن شيئا من ذلك لم يحصل، لأبقى أسيرة قدر طال موعده..
تسجيل صوتي للمقال
وتستمر الحياة.. والموت الذي أيقنت حضوره في لحظات شجن مرّت يؤجّل موعده، كما أن البكاء قد جعلني أشيخ وأتقدم سنوات لكنني لم أمت ولم تأت تلك النهاية التي خشيت أن تدحسني في كل مرة..
لماذا؟
لأن الخبّاز قد أودع فوهة فرنه قطعة خبز هي من نصيبي، والفلاح قد دسّ في رحم أرضه بذرة زرع ستؤتي أُكُلَها بعد حين، جعل الله مستقرّها الأخير في جوفي.. والصانع قد دقّ آخر مسمار في حذاء بمقاسي، ومقعد فارغ بجانب نافذة الحافلة سأركض قبل انطلاقها بثوان قليلة لأشغله و يشغلني..
لن تأتي النهاية بعد.. لأن الطبخة التي احترقت تحتاج إلى فرصة أخرى لتنضج على نار هادئة، والياسمين القابع في زاوية مكتبي ينتظر إبريل ليرفع عنقه المحني، والغبار العالق في فوهة التكييف لا يأبه لحدادي وينتظر دوره في طابور التنظيف الأسبوعي!…
هذه اللحظات الكالحة قطعا ليست النهاية.. لأن بطل روايتي عالق بسيارته المعطلة في ليلة باردة يترقب خوفا، فإما أن يموت على يد قطاع الطرق، أو أن يجد من يحمله مع سيارته اللعينة!.. ولأن هناك روايات بانتظار أن أبكيها، وأخرى أملّها فأرميها بمنتصف الطريق إلى نهايتها، وأخرى أقصف كاتبها برا وجوّا..
نوبة البكاء هذه لن تقتلني.. فقد مررت بها ما يقارب المئة مرة!..
ففي شق من هذا العالم الواسع من ينتظر هطولي عليه كطلّ .. يقاسمني هذه اللحظات الخائفة ويطرد شبح النهايات عنّي.. في بيت صغير ألمّع بلاطه، وأخيط ستائرا من الدانتيل لشرفاته، بيت تفوح منه رائحة الخبز، ويعجّ بالكتب والحيوانات الأليفة.. بيت بحديقة خلفية تتربع فيها شجرة ليمون ضخمة، يلهو حولها كائن صغير بضفائر ذهبية وغمازتين ويناديني: يا أمّي…
أتعلمون لم ليست النهاية؟، لأن لا أحد يموت قبل استيفاء رزقه.. أنصاف الأحلام تلك، لن نموت قبل أن نستوفي لُقَيْمَاتِنَا المكتوبة منها، ونأخذ حظنا المسطور في لوح القدر.. وما الحياة إلّا تلك الكأس قد نغُصّ أثناء احتسائها، لكننا قطعا لن نموت قبل الرّشفة الأخيرة..
شارك لمحة الأمل هذه مع أصدقائك بمشاركة المقال.
9 Comments
هاجر
ليس النهاية …لاني اريد ان اقرا لك الف مرة و ازيد ..
عبد الرحيم عبد اللاوي
والله قد عشت لحظات من العمق وشعرت بكل هذا .. كم انا مسرور لقرائتي لهذه اللمسة الساحرة .. بوركت أختي
عبد الجبار دبوشة
دائما مريم مبدعة كعادتك، هطلك الكتابي أمل يرغِّب في الحياة…
Hanane Menzel Ghraba
قرات مقالك في الوقت المناسب جدا …. شكرا لك مريم على كلماتك
يوسفي مريم
شكرا للجميع أعتز بكم ^_^
IBTIHEL KAQOUTHEr
احسنت قصة صغير معبرة للك كل التشجيع
تنبيهات : ليست النهاية...مجلة فكرة – IDEA Magazine
تنبيهات : الأحلام كذلك تنتهي صلاحيتها: متى يجب أن تتخلى عن حلمك؟
تنبيهات : أقوى 5 إعترافات على فراش الموت، ندم ودروس من الحياة