الرجولة مواقف وليست “أردا توران”
في مجتمعٍ ذكوريٍ مثل مجتمعنا، دائماً يحتمي آدم إذا ما انتُقد تحت المثل الشعبي القائل: (الراجل عيبو جيبو) وطالما ساندته النساء ودعمت هذا المثل ليس إلا انقياداً لما تمليه تعاليم القبيلة بقيادة قابيل، وريثما يتفكّكُ هذا التجمع البشري التقليدي المزعج ويشفى رجالنا ونساؤنا من هذه العاهة الفكرية، تُسلط الأضواء على حواء وكأنّها المخلوق الوحيد الذي تأثر بالقيم الدخيلة.
لوهلة كنتُ سأُعنون هذا المقال بــ (الرجال مواقف وليسوا مسطاشات) سرعان ما تذكرت أن زمن التفاخر بالشوارب ولّى مع أجيال آبائنا، أما الآن فالكثير أضحى على هيئة واحدة مع اللاعب التركي الشهير “أردا توران” ربما تشبّهاً به، وربمّا هي موضة هذا العام مع استثناء الرجال الملتحين تطبيقاً لسنته صلى الله عليه وسلم.
الملتحي الذي كان في زمنٍ مضى مصدر الشكوك لمن حوله، أصبح اليوم مثال الرجل المواكب لآخر صيحات الموضة العالمية، لدرجة أن فتياتنا أصبحن مغرمات بهذا النوع من الرجال، ليس هذا فقط بل ويتفاخرن على بعضهن بها، رغم أنهّا في أذقان بعولتهن لا في أذقانهن !!
والمضحكُ في الأمر أن البعض يظنون الشخص الملتحي ملاكا أو رجل دين لا يمكن أن يخطئ، كل ما يقوله هو حقيقة لا جدال فيه، مستعينا بالعبارة المعهودة : (قالهالي واحد داير اللحية) وكأنّ هذه الأخيرة دليلُ التدين؟؟
حتى أنك تنذهل، وتود لو تجيبه على طريقة الشيخ شمس الدين حين انفعل ذات مرة من مسألة كهذه قائلاً: (حتى فيدال كاسترو وكانت عندو لحية)، منذ متى كان الدين بيد شخصٍ قاطع شفرة الحلاقة لبضعة أسابيع؟
نعم هي مظهر يزيد من وقار الرجل ويمنحه هيبة وجمالا، لكنها لم تكن يوماً لتعكس باطنه، ستمرُ سنة أو سنتين وتصبح وجوه بعض الرجال ملساء مثل قطع الصابون، بعد ان انتهت موضتها وسيتركها فقط من كان يضعها لأجل الله ورسوله.
بعيداً عن موضوع اللحى، يقول مراهقٌ لوالده، بعد أن تجاوزتهما سيارة مسرعة في مكان يمنع فيه قانونياً هذا الأمر: لماذا تدعه يتجاوزك وأنت أحق منه بالطريق؟
يرد عليه الأبُ مختصراً كلّ ما لمّح إليه ابنه قائلاً: السرعة ليست رجولة، في هذه الحالة من الرجولة أن تخاف. شكراً لك أيها الأب، فأغلبُ حوادث المرور كانت من ذكورٍ وضعوا الرجولة في غير محلّها، شبانٌ مثل الورد حصدت أرواحهم الموت، بينما كانوا يتفاخرون على بعضهم البعض، من يستطيع أن يسبح إلى مسافة أبعد؟ من يقود دراجة نارية وهو شبه واقف؟ من ومن يدخل في رهان بين الرجولة والموت، كثيرون هم من حاولوا إثبات نظرية الرجولة في مواقف عدةّ غير مناسبة فخانتهم، كيف لا …وهذه الأخيرة أكبر من أن تكون مجرد عضلات مشدودة وتهور فادح وصوت مرتفع ومجموعة كبيرة من التصرفات الصبيانية كان يُظنُ أنها من شيم الرجال.
الرجولة الحقة ليست نموا جسماني فقط !!
هي رزانة العقل والحكمة، حسن التصرف، الأخلاق الحميدة، تحمل المسؤولية، تقوى الله في كل شيئ، هي المروءة التي تكاد تندثر في زمننا هذا، وهي لنا نحن معشر النساء تلك الكتف التي نتكئ عليها في الشدة والرخاء.
من قال أن الرجولة أزياء؟
ربمّا كانت الأزياء سبباً في تدهور حالها اليوم، أخرج إلى الشارع وانظر بنفسك، أو اجلس في مكانك وشغل التلفاز أو الحاسوب وستصيبك الفاجعة مع أني أدرك أنّها أصابتك منذ زمن، شباّنٌ يكاد يصل طولهم السقف بثيابٍ مزركشة وملونة عدا احتوائها على فراشات وزهور وغير ذلك من الكائنات التي ترمز للرقة والأنوثة، مما دعى لإستحداث عبارة ( إلبس أنت واختك) من قبل الشارع الجزائري، أضف إلى ذلك التسريحات الخيالية المستمدة من كرتون (أنمي) على ما يبدو، زيادةً على الأقراط في الأنف والأذنين وكل الزوايا الموجودة في الوجه، ونمص الحواجب ومختلف المظاهر التي تحالفت ضدّ الرجولة.
إنّهم رجالكم الذين ستعتمدون عليهم غداً يا عزيزي، ولكن بنكهة الفراولة (يجيبُ الواقع على ذهولنا حتى قبل أن نسأل).
متى حدث كل هذا؟
ربمّا كان في زمن التطور التكنولوجي وخاصة وسائل الاتصال وتقنياته، تلك الثغرة التي دخلت لنا بها عادات جديدة صنعها الغرب واستهلكناها نحن وحدنا أو معهم، لا يهم… ساهمت في تدني مستوياتنا في كل شيئ، نعم… لقد بلغنا في عالم المادة ذروته ولكن وحدها الأخلاق والقيم مازلنا يوماً بعد يوم ننحطُ في سلمها ونتراجع.
شكراً للرجال الذين ما زالوا رجالا في مواقفهم قبل أشكالهم.
6 Comments
واحد من الناس
و الله كلام قوي و في محله و لكن ( اسمعت لو ناديت حيا ،…. لكن لا حياة لمن تنادي )
مانيش انا
هو من اصلوا جيل الآباء اصحاب الموسطاش هوما لي جابوا و رباو هاد لجيل اي مخدوعة من بكري
سارة
كلامك في محله و قد تطرقت لموضوع هام ساد المجتمع حاليا …. ارجو ان يدرك هذا الشباب يوما انهم ضحية تقليد ليس شيئا اخر .. الله يهدينا
زكرياء
كلامك صائب الي حد ما لكن ليس عيب ان يكون الرجل انيقا ان الله جميل يحب الجمال لكن في حدود المعقول وعدم الاخلال بلهيئة الرجولية ,
Youssaf Touggi
كلام جميل وواقعي ….لكن نرجوا فقط عدم شخصنة الأمور ..
allal
والله جميل جدا كلام في الصميم